ذكر محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم في كتاب أخبار عمر بن عبد العزيز قال : قدمت امرأة من العراق على عمر بن عبد العزيز، فلما صارت إلى بابه قالت : هل على أمير المؤمنين حاجب؟
فقالوا : لا، فلُجِّي إن أحببت.
فدخلت المرأة على فاطمة وهي جالسة في بيتها، وفي يدها قطن تعالجه.
فسلمت، فردت عليها السلام، وقالت لها : ادخلي.
فلما دخلت قالت : جئتُ لأعمر بيتي من هذا البيت الخراب.
فقالت لها فاطمة : إنما خرِّب هذا البيت عِمارة بيوت أمثالك.
فأقبل عمر حتى دخل الدار، فمال إلى بئر في ناحية الدار، فانتزع منها دلاءً صبَّها على طين كان بحضرة البيت، وهو يكثر النظر إلى فاطمة.
فقالت لها المرأة : استتري من هذا الطيان فإني أراه يُديم النظر إليك .
قالت : ليس هو بطيان، وهو أمير المؤمنين.
قال ثم أقبل عمر، فسلم، ودخل بيته، فمال إلى مصلَّى كان له في البيت فصلى عليه. فسأل فاطمة عن المرأة فقالت : هي هذه .
فأخذ مكتلاًَ له فيه شيء من عنب، فجعل يتخيّر لها خيره ويناولها إياه.
ثم أقبل عليها فقال: حاجتك؟
فقالت : امرأة من أهل العراق، لي خمس بنات كُسلٌ كُسُدٌ، فجئتُ أبتغي حسن نظرك لهن.

فجعل يقول: كُسُلٌ كُسُدٌ، ويبكي.
فأخذ الدواة والقرطاس، وكتب إلى والي العراق فقال : سمّي كبراهين. فسمَّتها، ففرض لها. فقالت المرأة : الحمد لله . ثم سأل عن اسم الثانية، والثالثة والرابعة والمرأة تحمد الله ـ فلما فرض للأربع استفزَّها الفرح، فدعت له، فجزَّته، [خيراً]، فرفع يده وقال : كنا نفرض لهن حيث كنتِ، تولين الحمد أهله، فمري هؤلاء الأربع يفضنَ على هذه الخامسة.
فخرجت بالكتاب حتى أتت به العراق، فدفعته إلى والي العراق. فلما دفعت إليه الكتاب بكى واشتدّ بكاؤه وقال : رحم الله صاحب هذا الكتاب.
فقالت : أمات؟
قال: نعم .
فصاحت وولولت، فقال : لا بأس عليك، ما كنتُ لأردَّ كتابه في شيء.
فقضى حاجتها، وفرض لبناتها.